باب قصر
الصلاة
( فصل ويجوز للمسافر قصر الصلاة الرباعية بأربع شرائط أن يكون سفره في غير
معصية ) لا شك أن السفر غالبا وسيلة إلي الخلاص من مهروب أو الوصول إلي مطلوب
والسفر مظنة المشقة وهي تجلب التيسير فلهذا حط من الصلاة الرباعية ركعتان والكتاب
والسنة وإجماع الأمة علي جواز القصر في السفر المباح الطويل وفي قصر المقضية خلاف
وتفصيل بأتي إن شاء الله تعالي ( وإذا ضربتم في الأرض فليس جناح أن تقصروا من
الصلاة إن خفتم ) الاية والضرب في الأرض السفر وورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال
:
( صليت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ركعتين ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع
عمر ركعتين ) وقال ابن عمر :
( سافرت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وكانوا يصلون الظهر
والعصر ركعتين ركعتين )
ثم شرط السفر أن يكون في غير معصية فيشمل الواجب كسفر الحج وقضاء الديون
ونحوهما ويشمل المندوب كحج التطوع وصلة الرحم ونحوهما ويشمل المباح كسفر التجارة
والتنزه ويشمل المكروه كسفر المنفرد عن رفيقة فال الشيخ أبو محمد ومن الأغراض
الفاسدة طواف الصوفية لرؤية البلاد والأقاليم قال الإمام ولا يشترط كون السفر طاعة
باتفاق ومن صاحب التلخيص اشتراط الطاعة واحترز الشيخ بقوله في غير معصية عن سفر
المعصية كالسفر لقطع الطريق وأخذ المكوس وجلب الخمر والحشيش ومن تبعثه الظلمة في
أخذ الرشا والجبايات وسفر المرأة بغير إذن زوجها وسفر العبد الابق وسفر المديون
القادر علي الوفاء بغير إذن صاحب الدين ونحو ذلك فهؤلاء وأشباههم لا يترخصون
بالقصر لأن القصر رخصة وهذا السفر معصية والرخص لا تناط بالمعاصي وكما لا يقصر
العاصي بسفره لا يجمع بين الصلاتين ولا يتنفل علي الراحلة ولا يمسح ثلاثة أيام ولا
يأكل الميتة عند الاضطرار قال في شرح المهذب بلا خلاف وفي الروضة حكاية خلاف في
أكل الميتة ولا معول عليه ولو وجد ظالما في مفازة فلا يسقيه وإن مات أفتي بذلك
سفيان الثوري لتستريح منه البلاد والعباد والشجر والدواب وهو مسألة مهمة نفيسة
واحترز الشيخ بالصلاة الرباعية عن المغرب والصبح فإنهما لا يقصران قال الرافعي
والنووي بالإجماع لكن نقل العبادي عن محمد بن نصر المروزي من أصحابنا أنه يجوز قصر
الصبح إلي ركعة في الخوف كمذهب ابن عباس رضي الله عنهما والله أعلم قال :
( وأن تكون مسافته ستة عشر فرسخا )
يشترط في جواز القصر كون السفر طويلا وهو ستة عشر فرسخا كما ذكره الشيخ وهو
ثمانية وأربعون ميلا بالهاشمي وهي أربعة برد ولو حبسه الريح قال الدارمي هو
كالإقامة في البلد من غير نية واعلم أن مسافة الرجوع لا تحسب فلو قصد موضعا علي
مرحلة بنية أن يقيم فليس له أن يقصر لا ذهابا ولا أيابا وإن ناله مشقة مرحلتين لا
يسمي طويلا
واعلم أيضا أنه لا بد للمسافر من ربط قصده بموضع معلوم فلا يقصر الهائم وإن
طال سفره ويسمي هذا أيضا راكب التعاسيف
( فرع ) نوي مسافة القصر ثم نوي بعد خروجه أنه إن وجد فلانا رجع وإلا مضي
فالأصح أنه يترخص مالم يلقه فإذا لقيه خرج عن السفر وصار مقيما ولو نوي مسافة
القصر ثم نوي بعد خروجه أنه إذا وصل بلد كذا والبلد وسط الطريق أقام أربعة أيام
فأكثر فإن كان من موضع خروجه إلي المقصد الثاني مسافة القصر ترخص وإن كان أقل ترخص
أيضا علي الأصح
( وأن يكون مؤديا للصلاة الرباعية وأن ينوي القصر من الإحرام )
حجة كون الصلاة التي تقصر ان تكون مؤداة لمامر من الأدلة أما المقضية فإن فاتت
في الحضر وقضاها في السفر وجب عليه الإتمام لأنها ترتبت في ذمته أربعا وادعي ابن
المنذر والإمام أحمد الإجماع علي ذلك وقال المزني وله قصرها وحكي الماوردي وجها
مثله لأن الاعتبار بوقت القضاء كما لو ترك صلاة في الصحة له قضاؤها في المرض قاعدا
والقائلون بالمذهب فرقوا بأن المرض حالة ضرورة فيحتمل فيه ما لايحتمل في السفر
لأنه رخصة ألا تري أنه لو شرع في الصلاة قائما ثم طرأ المرض له أن يقعد ولو شرع في الصلاة في الحضر ثم
سافرت به السفينة لم يكن له أن يقصر وإن فاتت الصلاة في السفر قضاها في السفر أو
في الحضر فهل يقصرها فيه أقوال أظرها إن قصاها في السفر قصر وغن تخللت إقامته وإن
قضاها في الحضر أتم هذا ما صححه الرافعي والنووي وصحح ابن الرفعة الإتمام مطلقا
ولو شك هل فاتت في الحضر أو في السفر لم يقصر واعلم أن شرط القصر أن ينويه لأن
الأصل الإتمام فإذا لم ينو القصر انعقد إحرامه علي الأصل ويشترط أن يكون نية القصر
وقت التحريم بالصلاة كنيته ولا يشترط دوام ذكرها للمشقة نعم يشترط الانفكاك عما
يخالف الجزم بالنية فلو نوي القصر ثم نوي الإتمام وكذا لو تردد بين أن يقصر أو يتم
أتم ولو شك هل نوي القصر أم لا لزمه الإمام وإن تذكر في الحال أنه نوي القصر لأنه
بالتردد لزمه الإتمام
واعلم أن للقصر أربعة شروط
أحدها النية كما ذكره الشيخ
الثاني أن يكون مسافرا من أول الصلاة إلي اخرها فلو نوي الإقامة ي أثنائها أو
انتهت به السفينة إلي دار الإقامة لزمه الإتمام
الثالث أن يعلم بجواز القصر فلو جهل جوازه فقصر لم تصح صلاته لتلاعبه نص عليه
الشافعي في الأم قال النووي ويلزمه إعادة هذه الصلاة أربعا الشرط الرابع
أن لا يقتدي بمقيم أو بمتم في جزء من صلاته فإن فعل لزمه الإتمام ولو صلي
الظهر خلف من يصلي الصبح مسافرا كان أو مقيما لم يجز له القصر علي الأصح الأنها
صلاة لا تقصر ولو صلي الظهر خلف من يصلي الجمعة فالمذهب أنه لا يجوز له القصر
ويلزمه الإتمام وسواء كان إمام الجمعة مسافرا أو مقيما ولو نوي الظهر مقصورة خلف
من يصلي العصر مقصورة جاز والله أعلم
0 komentar:
Speak up your mind
Tell us what you're thinking... !